و يجعل الله فيه خيرا كثيرا
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء,19]
لمعت هذه الآية كالبرق في عقلي و تردد صداها بصوت الشيخ المنشاوي في أذني فجحظت عيناي تعجبا من حكمة الله تعالى .
ولدت في الصعيد حيث الرجال هم الأصل و النساء فروع ، حتى أمي – و هي إحداهن – كانت تربينا على الإعتزاز بأنفسنا و التعالي في التعامل مع أخواتنا ، فلم تسمح لأحد منا أن يلين في التعامل معهن أو يسمح لهن بإبداء رأي . هكذا نشأت و هكذا كانت قناعتي إلى أن أراد الله أن يفتح عيني على الحق .
تزوجت زيجة عادية حيث اختارت أمي زوجتي من عائلة ذات شأن كما فعلت مع أخوتي بأمر أبي ، و لكن زوجتي كانت مختلفة عن البقية كما كانت عائلتها كذلك . في عائلتنا مثلا لا نورث النساء بل نكتفي بهبة من الميراث و يوزع الباقي على الرجال ، و لا نهتم كذلك بتعليمهن و كانت زوجتي خريجة جامعة لذلك كانت دائما تناقشني في كل أمر و رغم أن حجتها دائما كانت مقنعة إلا أنني لم استسلم لرأيها أبدا .
زادت بيننا الخلافات و أصبح البيت بالنسبة لي مكانا لألم الرأس و العصبية و النزاع ، زاد الأمر سوء أنها لم تنجب سوى البنات ، واحدة فثانية ثم ثالثة و الأسوأ أنها تحدتني بالامتناع عني عندما عرفت برغبتي في الزواج ثانية لأنجب الولد ، فطلقتها .
مضت الأيام بعيدا عنها و عن بناتي كئيبة فزوجتي الثانية كثيرة المطالب كما أنها لحوحة فقد جعلتني على مدار سنين أزور معها عدد مهول من الأطباء و الأولياء لأننا لم نستطع الإنجاب ، و كأن الله كان يعاقبني على ما فعلت بزوجتي الأولى ، ثم تحول ما ظننته عقاب إلى بلاء .
أصبت بمرض عضال عجز الأطباء عن تشخيصه و قالوا أنه حالة نادرة لا تحدث إلا مرة في المليون ، و لم تتحمل زوجتي الثانية الضعف الذي حل بي ، لم تتحمل ثقل حركتي و حاجتي إلى المعاونة حتى في أبسط أموري الشخصية فهجرتني .
و إذا بالأولى تعود ، تعود و معها أموال كثيرة ورثتها من أبيها ، تعود و معها بناتي الثلاثة و قد أصبحت الكبيرة طالبة في كلية الطب ، تعود و معها الحنان و الأمان .
لم تتوان عن خدمتي لحظة و لم تدخر من مالها جنيها إلا و انفقته على علاجي ، كنت أتمنى أن أقول لها كم أحبها و كم أنا حقا آسف على ما فات من عمري بعيدا عنها .
و لكن الله تعالى يعلم ما تخفي الصدور و قد قبل أسفي . استطاعت ابنتي الكبرى من خلال أحد الأساتذة في كليتها أن ترسل ما قمت به من تحاليل و أشعة إلى أحد المراكز الطبية الكبيرة بأوروبا و قالوا أنهم توصلوا لعلاج لحالتي ، فأنفقت زوجتي آخر ما تبقى من ميراثها لتحضره .
الحمد لله شفيت ، و يوم شفائي أنار الحق في عقلي فكانت أولى كلماتي لزوجتي يوم عاد لي النطق : و يجعل الله فيه خيرا كثيرا ..
تمت ..
#كريم_إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق