قراءة في أدب الرعب والغموض
أدب الرعب
في مصر
يعتبر أدب
الرعب في مصر من أنواع الأدب الحديثة نسبية فهو لم يكمل عامه الثلاثون بعد، ولكن
استطاع أدب الرعب خلال السنوات الأخيرة جذب عدد كبير من الشباب للقراءة لما يحمله
هذا الفن من أحداث متسارعة وتشويق وهذا مما يخلق حالة من المتعة الخاصة لدى
القارئ.
لذلك بدأ
يظهر جيل جديد ممن تربوا علي هذا النوع من الأدب وكانت لهم تجاربهم الخاصة في عالم
أدب الرعب وآرائهم المختلفة، فيرى الكاتب الشاب عمرو المنوفي أن أدب الرعب
وانتشاره بين الشباب، أحيانًا يكون كنوع من الموضة العابرة أو "التريند"
كما يقولون هذه الأيام، ومنذ عدة سنوات أصبحت كتابة الرعب والخيال بشكل عام
بأنواعه المتعددة رائجة بين جميع الطوائف لا الشباب وحدهم
فيظهر مثلا فريق
"المخوفاتية" يجسد تجربة مختلفة على مجتمعنا، فهو يقيم ندوات لمناقشة
قضايا الرعب وتاريخها وأصولها وأشهر الشائعات المنتشرة عن الجن والعفاريت، وكوّن
فريق المخوفاتية الكاتبان سامي ميشيل وأحمد مسعد وهم كتاب لأدب الرعب وقدموا
روايتهم الأولى "خطايا أدم" عام 2017 التي كتباها بشكل مشترك ورواية خلف
الستار للكاتب أحمد مسعد. كما يظهر فريق عوالم شيطانية للكاتب فارس عمرو
و لن نجد
هؤلاء الشباب توقفوا عند الكتابة بل استمروا في تقديم ندواتهم عن أدب الرعب في
أكثر من محافظة مثل الإسكندرية والقاهرة والزقازيق وبورسعيد والمنصورة، ولا يقتصر
اهتمامهم بالرعب في الأدب الروائي وتقديم الندوات فقط ولكنهم كتبوا عددًا من قصص
الرعب للإذاعة وصل حتى الآن 35 قصة رعب تذاع في أحد البرامج بشكل دوري.
لكن هل
يستجير المصريون بأدب الرعب هروباً من رعب الواقع؟
لو فسرنا
حالة الإقبال الشديد على أدب الرعب والخيال العلمي والفانتازيا على مستوى القراءة
والكتابة بالمعنى السيكولوجي، فمن الممكن أن نقول إنّ هذا النوع من الأدب يعدّ من
أساليب مواجهة الخوف، التي ابتكرها الإنسان من خلال الخوف المتخيل الذي يواجه به
الخوف الحقيقي، موضحاً أنّ هذه الآلية تسمى "الإشباع البديل"؛ فأنت
تواجه هنا خوفاً يتعلق بأحداث وكوارث ودمار يحدث للآخرين، لا للقارئ أو الكاتب،
مؤكداً أنّ الكاتب هنا آمن ومستمتع بالتخيل بأحداث تقع على مسافة منه.
ربما عاد
ايضا إلى أنّ الشباب يبحثون عن شكل جديد في التعبير عن ذواتهم، التي تعاني حالة
عدم الاستقرار التي يواجهها الواقع فى المراحل الانتقالية، والتي يمرّ فيها
الإنسان بحالة من الالتباس"، أنّها "محاولة للبحث عن يقين حالي يساعد
على مواجهة اللايقين الموجود الآن، يساعد في التعبير عن الذات وتحقيقها والتعبير
عن إحساسات مركبة، كنوع من محاولة لمواجهة الواقع المضطرب".
أسباب أخرى
لدينا وفرة
في الأدب الاجتماعي والتاريخي مثلاً، بينما في الأعوام القريبة الماضية عانينا،
وربما ما نزال نعاني، من نقص شديد في صنوف أدبية مثل: "الخيال العلمي، الرعب،
أدب الرحلات، أدب الطفل، ...إلخ"، مضيفاً: "لذلك، أحبّ أن أنظر للأمر من
وجهة نظر مختلفة؛ فلا أقول إنّ هناك موجة زيادة عن إصدارات الرعب مؤخراً؛ بل الأصوب:
إنّ هناك فجوة قد سُدّت، أتمنى وأنتظر سدّ بقية الثغرات الأخرى قريباً، خصوصاً أنّ
الرعب ليس غريباً على تراثنا المحلي أو العربي؛ بل له جذور موغلة في القدم، بداية
من "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري، إضافة إلى قصص (الجنّ،
العرافين، النبوءات) التي كانت تدخل في نسيج العديد من الملاحم والسير
الشعبية".
في رأيي؛
إنّ كلّ (قارئ، كاتب، ناشر) أقبل على الرعب، قد تكون له أسبابه التي تختلف عن
نظيره، لكن إذا حاولنا التطرق للأسباب التي تعدّ عاملاً مشتركاً، أكثر من غيرها،
بين هؤلاء؛ فلعلّها ترجع إلى: مواقع التواصل الاجتماعي، المنتديات: التي تساهم
طوال الوقت، من وجهة نظري، في (إبراز) كلّ ما هو مختلف أو نادر، على الجانب الآخر،
لا نغفل سبباً رئيساً آخر في شعبية أدب الرعب حالياً، يتمثل في اسم أحمد خالد
توفيق، الذي ساهم في بناء تلك الشعبية، تدريجياً، منذ التسعينيات
أنواع أدب
الرعب
وينقسم هذا
الجنس الأدبي إلى عدة أنواع منها، الخيال القاتم: وهو نوع من الرعب النفسي،
والرعب التاريخي: الذي يستمد مواضيعه من التاريخ حيث تجري أحداث القصص في
الماضي أو في أحداث واقعية مرتبطة بالماضي، والرعب النفسي: حيث تولد العقد
النفسية التي يعاني منها الأبطال الرعب.
تاريخ أدب
الرعب
نعود في البداية
إلى التاريخ لتقصي جذور هذا الأدب الذي استلهم منه الكتاب مواضيع أعمالهم، ابتداء
من عهد الظلمات في القرنين الثالث عشر والرابع عشر والأهوال التي سادت تلك
المرحلة، وأبرزها محاكم التفتيش التي كانت تطارد المتمردين وتحرق السحرة المتهمين
وهم أحياء أمام العامة، والملهاة الإلهية لدانتي أليغييري التي تعتبر من روائع
الأدب الإيطالي والعالمي، والتي يصف فيها الشاعر ظاهريا رحلته إلى الجحيم
والفردوس، لكنه في العمق يتحدث عن ملحمة رحلة الروح باتجاه خالقها، ليعيش القارئ
في رحلة دانتي إلى الجحيم، حالة من الرعب والفزع لما يواجه الشاعر من أهوال وفظائع
بشرية.
وقد ازدهر
هذا الأدب عام 1929 مع حالة الركود الاقتصادي، حيث استقطب المذياع اهتمام الجميع
خاصة قصص الرعب التي كانت تأخذهم بعيداً عن واقع همومهم ومشاكلهم، وهكذا تحولت
القصص والروايات إلى مسلسلات إذاعية شيقة، لتتبنى السينما بعد ذلك روائع ما كتب في
أدب الرعب وتحولها إلى أفلام ساهمت في إحياء وخلود هذا الفن.
هوية أدب
الرعب
احتل أدب
الرعب مكانته في عالم الأدب، وأسست العديد من المجلات والمطبوعات الدورية التي
تعنى بهذا الأدب، وخصصت العديد من الجوائز المرموقة منها، (جائزة برام ستوكر) التي
تأسست عام 1987 وتمنح سنويا لتسع فئات في أدب الواقع والخيال من الرواية والقصيدة
إلى مسيرة الإنجاز، وجائزة جمعية «انترناشيونال هورور غيلد» التي تقدم سنويا في
إطار مسيرة الانجاز فتأسست عام 1995، وجائزة «جمعية كتاب الرعب الاستراليين»
السنوية التي تأسست عام 2005
آخر المطاف
يُجمع نقاد
أدب الرعب المعاصرين أن أدب الرعب فقد هويته في القرن العشرين، وتحول من إشاعة
أجواء الخوف والتوتر خلال الأحداث التي يواجهها أبطال أي عمل، إلى الاعتماد على
المشاهد العنيفة من قتل وإراقة دماء وتنكيل بالجثث وغير ذلك. وقد عزز هذا التحول
كل من الناشرين والفن السابع. أما الكتاّب الذين حافظو على هوية هذا الأدب
فأعمالهم لا تتربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق