المدينة الجامعية
أخيرأ انهيت مرحلة الدراسة بالمدرسة وانطلقت الأن إلى مرحلة الدراسة الجامعية ، لقد كانت حلماً بعيد المنال ، ولكن ها أنا الآن أعيشه واقعاً ملموساً ، وكالعادة فى بلدى لا تستطيع بسهولة أن تحصل على الدرجات التى تُدخلك الكلية التى تتمناها دون عناء ، فلقد كانت نصف درجة سبباً فى إنتقالى من محافظتى إلى محافظة أخرى ، ولكن الحمدلله أستطعت أن أجد مكاناً فى المدينة الجامعية وها أنا أضع أغراضى فى غرفتي وأستعد للتوجه إلى ساحة الإستقبال الداخلية لعلى أتعرف فيها على أحد الزملاء يكون من محافظتي أو زميلاً فى الكلية .
يتكون المبنى الذى أسكن فيه من ستة طوابق .. الطابق الأول أو الأرضى هو طابق الإستقبال يوجد به مجموعة من الكراسى والانتريهات وشاشة تلفاز كبيرة ويوجد به باب زجاجى ندخل منه إلى قاعة واسعة وضعت بها مناضد وكراسى هى قاعة الطعام .
أما بقية الطوابق فجميعها غرف للنوم ، خارج هذا المبنى يوجد ملعب بمساحة ملعب كرة القدم مقسم إلى عدة ملاعب ( كرة سلة – كرة طائرة – كرة قدم خماسى ) وفى نهاية الملعب يوجد مبني قديم الشكل مكون من ثلاثة طوابق ، قيل لى أنه مكاناً لتخزين الطعام والمعدات وأدوات الصيانة ولا يدخله أحد من الطلاب إنما هو مكان للعمال فقط .
كان الوقت مسائاً وكان الجميع يستعدون إلى الذهاب إلى غرفهم عندما صاح بصوت عالٍ أحد الزملاء يجمع البقية حوله ثم قام بتعريف نفسه بأنه أقدم الطلاب فى هذة المدينة الجامعية وقال أن هناك قصة لاستقبال كل الوافدين الجدد تُروى فى كل عام ، وأنه سيقصها علينا الأن ..
بدأ فى القول أن المبني القديم المكون من ثلاثة طوابق الموجود فى أخر الملعب تم إنشائه أثناء الإحتلال ، وكانت هذة الأرض هى معسكر من معسكرات المحتل ولم يكن المبني الذى نقيم فيه الآن موجود ثم تحولت الأرض بالمباني التى عليها إلى مدينة جامعية بعد جلاء الإحتلال .
فى هذا المبنى القديم المكون من ثلاثة طوابق كانت توجد كتيبة صغيرة من الجنود يرأسهم عقيد شاب فى الثلاثينات من عمره هو المسئول عن هذة الوحدة، ويحكى أنه فى يومٍ من الأيام حضرت إحدى الفتيات التى تعمل فى أحد الملاهى الليلية إلى المعسكر لتطمأن على صحة هذا العقيد فقد ربطت بينما علاقة محبة عندما تعرف عليها خلال أحد سهراته فى الملهى الليلى التى تعمل به ، وسبب حضورها للسؤال عنه هو غيابه عن الذهاب إليها لمدة طويلة ، وكان سبب هذا الغياب أن هذا العقيد كان مريض أصابته حمى أرقدته فى سريره ، وعندما حضرت هذه الفتاة وسألت عنه سُمح لها بالدخول فدخلت إلى غرفته وأطمانت عليه وأثناء إنصرافها مرت بالخطأ من غرفة تحتوى على اثني عشر مجنداً من جنود الإحتلال، كان هؤلاء الجنود ليسوا من الأفراد المحسوبين على هذا المعسكر إنما كانوا مجموعة تقوم بمهام فى الصحراء منذ فترة طويلة لم تشهد عيونهم أنثى منذ ما يقرب السنة الكاملة ، عندما سقطت عيونهم على هذه الفتاة ألتفوا حولها كالذئاب وقاموا بإغتصابها ثم قتلوها وعندما تحامل العقيد على نفسه بعدما سمع صراخها وقام ليبحث عنها وصل متأخرا و وجدها ملقاة على الأرض غارقة فى دمائها فامسك سلاحه وقام بإطلاق النار على الجنود الواقفين امامه جميعاً ثم أطلق النار على نفسه .
أنهى الطالب القديم الذى كان يقص علينا هذه القصة كلامه ثم أبتسم أبتسامة خبيثة و ودعنا جميعاً ، وانصرفنا نحن كذلك كلأ إلى غرفته .
ظننت أن هذه القصة التى يرويها ما هى إلا قصة لإيخافتنا وترويعنا كنوعٍ من أنواع الدعابة من الطلاب القدامى مع الوفد حديث الوصول ، ولكن ما حدث فى هذه الليلة كان شيئاً عجيباً لم أستطع أن أصدقه إلى الآن .. لقد قمت من نومى قبل موعد صلاة الفجر بنصف ساعة حتى أستعد للصلاة ، وعندما خرجت من الغرفة متوجه إلى دورة المياة كانت الإضائة فى الممر ترتعش إرتعاشة شديدة تطفئ ثم تضيئ مرات متكررة ، وخلال الظلام والنور لمحت فتاة فى ثوب أبيض ملطخ بالدماء تقف فى نهاية الممر، ثم فركت عيني بيدي لعلها تكون هلاوس النوم الذى لا يزال يسيطر علي ، وفجأة وجدتها تقف أمامى وتصرخ فى وجهى صرخة كادت تصم أُذنى فأغشى علي . أفقت بعدها بدقائق على ما اعتقد وكانت الإضائة فى الممر ثابتة ولا يوجد أى أثر لهذه الفتاة ، أستعذت بالله من الشيطان الرجيم وتوجهت إلى دورة المياة و توضأت وصليت الفجر .
وفى صباح اليوم التالى ذهبت لابحث عن الطالب الذى روى لنا هذه القصة فوجدته وذهبت إليه مباشرة وسألته : هل القصة التى رويتها لنا بالأمس قصة حقيقية ، فضحك ضحكة عالية غريبة ثم قال : يبدو أنك رأيتها و تركنى وأنصرف .
وقفت فى مكانى برهة أستوعب ما قال ثم اتخدت قرارى لن أذهب إلى الجامعة اليوم ، اليوم سأتأكد من حقيقة هذه القصة ، خرجت من باب المدينة الجامعية متوجهاً إلى أقرب مقهى وجلست بها وطلبت كوباً من الشاى ثم بدأت أتجاذب أطراف الحديث مع احد الجالسين على المقهى بجوارى وكان رجلاً كبيراً فى السن ، فسألته : هل أنت من سكان هذه المنطقة ، فأجاب : نعم يا بنى أنا أسكن هنا من يوم ولدت , فتشجعت وسألته : هل تعلم شيئأ عن الأشباح التى تسكن المدينة الجامعية ، فقال: بالتأكيد يا ولدى ومن هنا لا يعلم عنها لقد رأينا بأعيننا طلابا يخرجون من هذا الباب إما ميتين أو مأخوذين إلى مستشفى الأمراض النفسية .
ثم سألته بشغف شديد وهل تعلم كيف آل بهم الأمر إلى هذا الحال ؟ ، فقال: أظن يا ولدى أنك ستجد كل الإجابات التى تريدها عند " الأستاذ على " صاحب المكتبة التى فى نهاية الشارع .
حاسبت على الشاى وذهبت مسرعاً إلى المكتبة ودخلتها فوجدتها مكتبة عادية تحتوى على كتب وأوراق وأقلام وكراريس وبعض الأشياء التى يحتاجها الطلاب ويوجد بها رجلا فى الخمسين من عمره فسالته: حضرتك الاستاذ على ، فأجاب : نعم يابنى تحت أمرك ، فترددت قليلاً ثم قلت له : فى الحقيقة كنت أريد أن أسألك عن ما يحدث فى المدينة الجامعية ، لم يتردد فى رده عليا بل سحب على الفور كتاباً يشبه ألبوم الصور من درج المكتب الذى كان يجلس عليه و وضعه فى يدى ففتحت الكتاب وانا اتعجب مما بداخله لقد كانت كلها قصاصات من الجرائد والمجلات تروى قصصاً عن شباب خرجوا من المدينة الجامعية إما مقتولين وإما محمولين إلى مستشفى الأمراض النفسية .
وفى الحقيقة لم يصدمنى كثيراً الذين أُخذوا إلى مستشفى الأمراض انفسية ، ولكن صدمنى أكثر الذين قُـتلوا فقد كانت كل الجرائد تقول أنهم ماتوا بنفس الطريقة ، لقد ماتوا جميعا ً مخنوقين وكأن حبلاً لف حول رقبتهم ولم يوجد أثر لهذا الحبل .
لم تنشغل الجرائد كثيراً فى تفسيرها لحالات الطلاب الذين انهارت أعصابهم وذهبوا إلى مستشفى الأمراض النفسية ، ولكن السؤال الذى طُرح فى جميع المقالات التى كانت تتحدث عن الذين ماتوا كيف خنقوا ومن ذا يملك القوة لخنق شابً فى هذا السن وبهذه القوة - وأين يوجد الحبل الذين خُنقوا به ؟ لقد أثارت هذه القصص تساؤلات كثيرة حول المدينة الجامعية ولكنها مع ذلك استمرت تستقبل الطلاب لان هذه الجرائم كانت تتم على فترات متابعدة قد تصل إلى سنين .
وعندما انتهيت من هذا الألبوم العجيب وجدت نفسى أقص " للاستاذ على " ما حدث لى بالامس فقد ارتحت له فهو شخص هادئ الطباع بشوش الوجه ، عندما سمع القصة منى أخبرنى بأنها تظهر فقط فى المبنى الجديد ولا تؤذى احداً به ، وأن الطلاب الذين ماتوا كانوا من المتسللين إلى المبنى القديم الذى حدثت فيه هذه الجريمة البشعة ، فسألته :هل من طريقة تمنع ظهورها أو تنهى هذه المأساة – فأجاب ببساطة : لا أظن أن ذلك يحدث أبداً يا بني ، سلمت عليه وتركته وذهبت إلى غرفتى بالمدينة الجامعية وضعت أغراضى فى الحقيبة و ركبت أول قطار عائد إلى مدينتى ثم قدمت ورق تحويلى من الكلية التى قبلنى بها التنسيق إلى كلية أقل فى المجموع و لكن فى مدينتى حتى أكون فى منزلنا بجوار أبى و أمي ولم تكن النصف درجة هى العامل الوحيد الذى حدد مستقبلي الجامعى .
تمت
#كريم_إبراهيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق